استراتيجية التعليم المتمايز
كما أنّ لكل إنسان بصمة لا تتشابه مع فرد غيره؛ يتمتّع كل طالب بمستوى تحصيل معرفي يختلف عن غيره، حيث يعود ذلك لأسباب مختلفة مثل: سرعة التعلّم، والميول والاتجاهات، فقد لا يدرك جميع الطلبة المعلومات بنفس المستوى، ولا بنفس السرعة؛ ففي الحين الذي يحتاج بعضهم فيه تكرار المعلومة مرة تلو الأخرى حتى تترسخ في أذهانهم، لا يحتاج البعض الآخر إعادتها سوى مرةً واحدةً، ومن هنا يأتي دور المعلم في تمييز الفروق الفردية ومراعاتها؛ ليعطي كلًّا حقه، وبذلك يصل المعلم إلى مبتغاه من إيصال المعرفة لجميع الطلبة على اختلاف مستوياتهم، وقد جاءت هذه المقالة لتوضيح استراتيجية التعليم المتمايز.
مفهوم استراتيجية التعليم المتمايز
تُعرّف استراتيجية التعلّم المتمايز بأنّها تعليم يهدف إلى التعرف على اختلافات، وتنوع خلفيات الطلبة المعرفية، ومدى استعدادهم للتعلم بمختلف إدراكاتهم، سواء كانت ذات نمط بصري، أو سمعي، أو حركي، وتسعى هذه الاستراتيجية في التعليم إلى رفع مستوى جميع الطلبة، والأخذ بأيديهم على اختلاف مستوياتهم؛ والوصول بهم -عن طريق المعلّم- إلى ما يبتغي تحقيقه من إيصالٍ للمعرفة بشكل فعّال عن طريق تخطيط وتطبيق الأنشطة التعليمية التي تتناسب مع تلك الاختلافات.
أشكال تطبيق التعليم المتمايز
هناك أربع طرق يمكن للمعلّم تطبيقها كاملثلة على التعليم المتمايز، وهي:[١]
تمايز المحتوى
يجب على المعلّم أن يحقّق النتاجات التي يحددها في تحضيره في نهاية الدّرس، والتي تكون مُتوقعة من الطلبة بعد نهاية عرض الدرس، ولكن مستويات الطلبة تتفاوت فمنهم قد لا يخرج بفهم كافٍ لمفاهيم الدرس، ومنهم من يتقن جزءاً منه، ومنهم من يكون على دراية وبيّنة بمحتوى الدرس قبل إعطائه له من قِبل المعلم، وليغطي المعلم هذه المستويات عليه التحضير لأنشطة تغطي مستويات تصنيف بلوم المختلفة (تصنيف لمستويات الطلبة يبدأ من مهارات التفكير الدنيا حتى يصل إلى مهارات التفكير العليا، وهذه المستويات هي: التذكّر، والفهم، والتطبيق، والتحليل، والتقييم، والابتكار)؛ فيطلب المعلم من الطلاب ذوي مستوى الاتقان المحدود من الإلمام بجوانب الدّرس إكمال مهام في النشاط ضمن مستوى التذكّر ومستوى الفهم، كأن يقول لأحدهم: "أقرأ فقرة من الدرس"، ثم يطلب من الطالب إجابة سؤال مباشر له علاقة بالنّص، أمّا الطلاب الذين اتقنوا جزءاً من الدرس فيطلب منهم إكمال المهام ضمن مستويي التطبيق والتحليل، كأن يقول: "فكّر في موقف حدث للشخصية الرئيسة في القصّة" أو "فرّق بين الحقائق والآراء المذكورة في القصة"، في الوقت الذي يطلب فيه من الطلاب ذوي المستويات المتقدمة إكمال مهام في مستويي التقييم والابتكار، مثل أن يقول: "حدّد موقفك اتجاه القصّة، وقدّم أدلة تدعم وجهة نظرك"، أو "قم بتمثيل القصة"، وبذلك يحقّق المعلم فهم الطلاب للمحتوى على اختلاف مستوياتهم.
تمايز المهام الصّفية
يختلف كل طالب عن غيره في نمط الإدراك الذي يعتمد عليه؛ فبعضهم يعتمد النمط البصري، حيث تجده يفضّل أن يرى كل شيء يشرحه المعلم حتى يفهمه، وذلك يجب أن يرى الدّرس أمامه بإبقاء الكتاب مفتوحاً، وبعضهم يتبنّى النمط السمعي، فتراه يحبذ أن يستمع وينصت للمادة التعليمية حتى يتمكن من فهم المادة المعرفية، فيما يُصنّف آخرون على أنّهم ذوو نمط حركي، فهم يفضّلون القيام بأنشطة تفاعلية مثل إجراء العروض التقديمية على اختلافها لضمان فهمهم للمادة التعليمية، ونتيجةً لهذا على المعلم أن يراعي ذلك الاختلاف، ويعطي كلًّا حسب نمطه الإدراكي المُعتمد، فيمنح مثلاً الطلاب ذوي النمط الحركي الفرصة لإجراء أنشطة تفاعلية مثل تقديم عروض تقديمية عبر PowerPoint، أو تقديم عرض تمثيلي عن الدرس، ويطلب من ذوي النمط البصري تحضير تقرير حول الدرس وقراءته أمام زملاءه، وهكذا.
تمايز تحقيق الأهداف التعليمية وفهم الطلبة
يمكن أن يتأكد المعلم من تحقيق أهداف درسه، وإلمام جميع الطلبة بالمعرفة المطلوبة؛ بإنشاء اختبار أو طلب تقارير، أو أي نشاط آخر يراه المعلم مناسباً، فيما يراعي في ذلك اختلاف إدراكاتهم ومستوياتهم، ومثال على ذلك: أن يقوم المعلم باختبار الطلبة بعد الحصة، ويطلب منهم إخباره عن الأسئلة التي استمتعوا بحلّها، ولماذا وجد الطالب هذا السؤال ممتعاً، أو يكون ذلك بطلبه منهم بعد تقديم أحد الدروس الإشارة بإصبع الإبهام للأعلى أو للأسفل كإشارة إعجاب أو عدم إعجاب؛ ليبدي كل طالب رأيه في سبب إعجابه بنقطة، وعدم إعجابه بأخرى لم يفهمها بشكلٍ جيد، كما قد يطلب منهم تقارير تلخص فهمهم للدرس؛ مراعاة لمن لا يفضّل الاختبارات، ـ أو تشكّل له خوفاً.
تمايز بيئة التعلم
تشكّل بيئة التعلم عنصراً مهماً؛ لأنّ الاهتمام بها سيؤثر بشكل مباشر على الراحة النفسية للطالب، لذا يجب تهيئة البيئة الصفية من النواحي المختلفة، ويكون ذلك بترتيب المقاعد، وعدم وجود أي مشتتات أو ضوضاء تؤثّر على سير الحصّة، والتأكّد من مناسبة الإضاءة وغيرها من الأمور، يتبع ذلك قرار المعلم فيما إذا كانت الحصة ستسير وفق عملٍ فردي أو جماعي؛ ليقسّم الطلبة إلى مجموعات لمناقشة قضية معينة، أو السماح لهم بالمناقشة والقراءة بشكلٍ فردي، وذلك بمراعاة متطلباتهم، وقدراتهم على العمل بشكل فردي أو جماعي.
بعض تقنيات التعليم المتمايز
للتعليم المتمايز تقنيات كثيرة ومتنوعة يمكن تطبيقها، ومن هذه التقنيات ما يأتي:[٢]
- تقنية المخططات الرسومية: فيها يتم تنظيم المعلومات عبر مخططات رسومية، وخرائط ذهنية؛ لمساعدة الطلاب على استيعابها وفهمها.
- تقنية التكعيب: يصنع المعلم مكعباً له ستة أوجه، ثمّ يكتب على كل وجه من الأوجه سؤالاً مختلفاً، بشرط أن يكتب المعلم أسئلة تراعي جميع المستويات العقلية للطلاب، ثم يرمي به كما يُرمى حجر النرد، ويكلّف الطالب بالإجابة على السؤال الذي يظهر على الوجه العلوي للمكعب بعد رميه.
- تقنية الحلقات السقراطية: في هذه الحلقات يسعى المشاركون إلى فهمٍ أعمقٍ للأفكار المعقدة من خلال الحوار بدلاً من حفظ المعلومات؛ إذ يقدّم المعلم نصًّا للطلبة، وبعد قراءته يتفاعل الطلبة مع الأسئلة التي يطرحها المعلم حول النص، فيجلسون في دائرة ويتبادلون طريق تفكيرهم، ووجهات نظرهم، وردودهم على الأسئلة المطروحة.
- تقنية لعبة القطار: تتمثّل هذه الاستراتيجية في لوحة فيها تسعة مربعات، في كل مربع سؤال، أو نشاط، أو مهمة، وعلى كل طال أن يقوم بالحل بمعاونة زميلٍ حتى يشكل خطًّا متّصلاًً أفقياً، أو عمودياً، أو قطرياً.
دور المعلّم في التعليم المتمايز
يُعتبر المعلم هو المكلّف بالدور الأكبر في العملية التعليمية في هذا النوع من التعليم، ومن أهم أدواره ما يأتي:[٣]
- التعرّف على الطلاب ومستوياتهم بشكلٍ جيد.
- التواصل مع زملائه المعلمين للحصول على أكبر قدر من المعرفة، من خلال تبادل المعلومات الجديدة بينهم.
- التواصل، مع أولياء الأمور للتعرّف على الطلاب بشكل أعمق، وجمع المزيد من المعلومات عنهم، ولمساعدته في متابعة أبنائهم في المنزل.
- التعرّف على الجوانب الإيجابية في الطلبة؛ لتعزيزها، والجوانب السلبية؛ لتجاوزها.
- إضافة جو من المرح والنشاط على العملية التعليمية.
دور الطالب في التعلّم المتمايز
ذُكر فيما سلف دور المعلّم في هذه الاستراتيجية، أمّا عن دور الطلبة في التعليم المتمايز فيكون بالآتي:[٣]
- التعاون مع المعلم لتحقيق الجهود التي تصبّ في مصلحته ولإنجاح العملية التعليمية؛ لأن الجهود التي بذلها المعلم برمّتها هي لتطوير الطالب.
- امتلاك الجرأة للتعبير عن عدم فهمه لنقطة، أو عدم قدرته على تطبيق استراتيجية معيّنة، أو نشاط ما.
- العمل بمرونة وانضباط، وعدم إحداث فوضى في حال العمل ضمن مجموعات، أو إضاعة الوقت.
- عدم الخوف من الخطأ أو الفشل.
- التحلّي بالصبر، خاصة في عمليات البحث والتمحيص؛ لأنها غالباً ما تحتاج للعديد من المحاولات.
- طرح أسئلة ذكية ذات نهايات مفتوحة، وليست أسئلة مباشرة إجابتها تكمن في كلمة أو كلمتين.
المراجع
- ↑ Cathy Weselby (29/4/2021), "What is Differentiated Instruction? Examples of How to Differentiate Instruction in the Classroom", Resilient educator, Retrieved 24/12/2021. Edited.
- ↑ خير شواهين، التعليم المتمايز وتصميم المناهج المدرسية، صفحة 55_82. بتصرّف.
- ^ أ ب خير شواهين، التعليم المتمايز وتصميم المناهج المدرسية، صفحة 109_111. بتصرّف.