شرح مفهوم النظرية البنائية في التعليم

بهدف تحقيق أفضل النتائج والمخرجات، تعتمد عملية التعليم بشكلٍ عامٍ على عددِ من النظريات، والتي تعتبر النظرية البنائية (بالإنجليزية: Constructivism) من بينها، والتي تُعرف على أنها تلك النظرية التعليمية التي تقوم على فكرة أنّ المعرفة يتم بناؤها في العقل من خلال التفكير وخوض التجارب، وتتأثر هذه المعرفة بكيفية تفسير الفرد لها، اعتمادًا على وجهات نظره الخاصة، وخلفيته الثقافية، وخبراته المتراكمة؛ حيث تساعد هذه الأمور الفرد على الموازنة بين ما يعرفه سابقًا من معلوماتٍ، وبين المعلومات التي تمّ اكتسابها حديثًا، ويتم بناءً عليها إما اكتساب هذه المعلومات باعتبارها جديدة، أو استبدال المعلومات الموجودة مسبقًا بها، أو عدم الأخذ بهذه المعلومات أبدًا، باعتبار أنها ليست بذات فائدة للفرد، وفي سياقٍ قريب؛ فإن للنظرية البنائية في مجال التعليم شكلين، أحدهما معرفي، والآخر اجتماعي، ويكمن الفرق بينهما في أنّ الشكل المعرفي يعتبر أنّ معرفة الإنسان تُبنى اعتمادًا على تفسيره الشخصي لما يمر به من تجارب، في حين أنّ الشكل الاجتماعي يرى أنّ تفاعل الفرد مع الآخرين هو ما يبني عنده المعرفة.[١][٢]


مبادئ النظرية البنائية في التعليم

تقوم النظرية البنائية على عددٍ من المبادئ، والتي نستعرضها في النقاط التالية:[٣]

  • المعرفة ذات طبيعة بنائية: يُعد هذا أهم وأول مبادئ النظرية البنائية، وينص على أنّ المعرفة تُبنى على المعارف الأخرى؛ بمعنى أنّ كل مُتعلم يشكل ويبني معرفته بطريقته الخاصة، التي تجعلها مختلفة عن معارف المُتعلمين الآخرين، بسبب الاختلاف بينهم في التجارب والمعارف السابقة، بالإضافة إلى الآراء.
  • التعلم متصل بالواقع: إنّ المعرفة التي يبنيها المُتعلم متصلة بالواقع وبالعالم، ويستطيع المُتعلم اكتساب المعرفة عبر ربطها بواقعه وبالأمور التي يعرفها؛ وذلك من منطلق أنّ الإنسان يظهر فعالية أكثر في عملية التعلم ويتذكر الأشياء بشكلٍ أفضل عندما يربطها بحياته وبما يعرفه مُسبقًا.
  • التعلم عملية متشعبة: عندما يقوم المُتعلم بأي نشاطٍ يتعلق بالعملية التعليمية؛ فإن اكتسابه للمعرفة في هذه الحالة لا يقتصر على هذا النشاط، بل يكتسبها أيضًا من أي عملية أو خطوة تم القيام بها لإنجازه، ولتوضيح هذه النقطة أكثر نعرض المثال التالي: فإذا افترضنا أنّ المعلم كلف المُتعلمين بكتابة بحثٍ عن أحد مواضيع مادة الجغرافيا، فإنهم في هذه الحالة لا يكتسبون المعرفة من المعلومات التي ربطوها ببحثهم فقط، بل يتعلمون كذلك معرفة لها صلة بكيفية كتابة البحوث وإجرائها بشكلٍ عام.
  • التعلم نشاطٌ عقلي: لا تقتصر عملية التعلم وبناء المعرفة على الخبرات والمعارف القائمة على توظيف الحواس ونشاط الجسد؛ فلا بدّ أن يكون للعقل دورٌ في ذلك، بسبب أهميته في تخزين المعرفة وحفظها.
  • التعلم نشاط اجتماعي: تتأثر المعرفة التي يكتسبها المُتعلم بتفاعله الاجتماعي مع الآخرين في محيطه؛ فهذا التفاعل يساعد في ترسيخ المعرفة في الذهن، من خلال الأنشطة الاجتماعية، والحوار مع الآخرين، والانخراط معهم، وتشمل الفئات التي تؤثر على معرفة المُتعلم بشكلٍ مباشر كلاً من الأقران، والمُعلمين، وحتى أفراد العائلة.
  • التجربة النشطة هي أساس التعلم: لا تقوم عملية التعلم أبدًا ما لم يشارك بها المُتعلم بشكلٍ فعال، وذلك بسبب اقترانها المباشر بخبراته، وتجاربه، وآرائه، ولا يجب أن يتوقع المُتعلم أنه قادر على بناء المعرفة من خلال التلقين؛ لأنّ عملية التعلم تحتاج منه توظيف حواسه وإدراكه بشكلٍ كامل في كل الأنشطة التي تساهم في بناء المعرفة، مثل القراءة، والحوارات، والأنشطة التفاعلية، وغيرها.
  • التعلم يقوم على الحافز: عندما يمتلك المُتعلم حافزًا ودافعًا يشجعه على التعلم؛ فإن العملية بأكملها تكون أسهل، ويستطيع المُتعلم الاعتماد على حافزه لبناء المعرفة دون معوقات تحول بينه وبين الاستفادة مما يملكه من معارف وتجارب سابقة.
  • المعرفة مسألة شخصية: يقوم هذا المبدأ من مبادئ النظرية البنائية على فكرة أنّ المُتعلم يوظف في عملية التعلم ما يعرفه من خبرات ومعارف سابقة شخصية، تجعل شكل المعرفة مختلفاً من شخصٍ إلى آخر، وذلك بسبب اختلاف المعارف والخبرات بين كل شخصٍ وآخر.


طرق تطبيق النظرية البنائية في التعليم

من الأمثلة على طرق وأساليب التدريس التي يمكن من خلالها تطبيق النظرية البنائية في العملية التعليمية ما يلي:[٤]

  • التعلّم التعاوني: يتم في التعلّم التعاوني تقسيم المُتعلمين إلى مجموعات صغيرة، يعملون فيها مع بعضهم البعض لتحقيق نتائج متعلقة بتعلم معرفة ما، ويكون دورهم ضمن هذه المجموعة مساعدة بعضهم الآخر لتحقيق أقصى استفادة من عملية التعلم.
  • التعليم القائم على حلّ المشكلات: يتم عرض موضوع أو قضية ما على المُتعلمين في هذه الطريقة، وتكون ذات صلة بالواقع ومرتبطة به، ليبدأوا التفاعل بينهم والعمل بشكلٍ جماعي للتوصل لحلٍ لها، ويستفيدون أيضًا من المهارات الأخرى المرتبطة بعملية بناء المعرفة، مثل مهارات التعاون والتواصل الاجتماعي.
  • التعليم المستند إلى الاستقصاء: في هذه الطريقة، يتخذ التعلم مسارًا قائمًا على الجهد الشخصي للمُتعلم، والذي يقوم فيها بطرح الأسئلة المعرفية لوحده، ويبحث عن إجاباتٍ لها من خلال عمليات الملاحظة المباشرة والبحث، التي لا تستثني قيامه بالاستفادة مما يعرفه مسبقًا من معرفة، إلى جانب استفادتهِ من أنشطة البحث والملاحظة، واكتساب المعرفة بخصوصها من تطبيقها عمليًا.


أهمية النظرية البنائية في التعليم

إنّ لتطبيق النظرية البنائية في عملية التعلم عدداً من الإيجابيات والفوائد، والتي تشمل الآتي:[٥]

  • زيادة قدرة المُتعلم على ربط ما اكتسبه من معرفة ومهارات بالواقع الذي يعيش فيه، والاستفادة منها.
  • تحفيز المُتعلمين على اكتساب المعرفة، وجذب انتباههم، ودفعهم للمشاركة الفعالة في العملية التعليمية.
  • تمكين المُتعلمين من فهم واستيعاب العالم بشكل أفضل.
  • الاستعاضة عن نظام التلقين والحفظ دون فهم في العملية التعليمية، واستبداله بنظام قائم على الفهم والتفكير.
  • تنمية عدد من المهارات المهمة لدى المُتعلمين، وتحديدًا تلك المهارات التي تتعلق بالتواصل، والتفاعل، والتعبير عن الآراء ووجهات النظر.
  • تعزيز ثقة المُتعلمين بقدراتهم التعليمية؛ بسبب حث هذه النظرية لهم على البحث والاستقصاء عن الإجابات والمعرفة اعتمادًا على أنفسهم.


المراجع

  1. "Constructivism", edtechbooks, Retrieved 8/9/2022. Edited.
  2. "What is constructivism?", thirteen, Retrieved 8/9/2022. Edited.
  3. "What is constructivism?", wgu, Retrieved 8/9/2022. Edited.
  4. classroom activities-,What is constructivism?,-existing knowledge (schemas). "Constructivism", buffalo, Retrieved 8/9/2022. Edited.
  5. "Constructivism", studysmarter, Retrieved 8/9/2022. Edited.